دار النقاش بين ملائكة الله -سبحانه وتعالى- عن الخلق وعبادتهم ومعصيتهم وطاعتهم، قال قائل منهم: ما على الأرض اليوم خير من أيوب، فهو مؤمن قانت، ساجد عابد، بسط الله في رزقه، وأنسأ في أجله، وفي ماله حق معلوم للسائل والمحروم، وأيامه عبادة لربه، وشكر على نعمائه
وما لبث إبليس أن سمع مقالتهم، فساء له أن يوجد على الأرض رجل يعبد الله كما يعبده أيوب، فما كان منه إلا الوسوسة، فقام بمحاولات شتى لإغوائه. وأخذ إبليس يجمع الشياطين من أوليائه، وأوهمهم أن الله رخص له في مال أيوب يفعل به ما يشاء. فما كان من الشياطين إلا أن تبدأ أفاعيلها الشيطانية، حتى تمكنت من سحق الأخضر واليابس وأتت على الحي والميت
وتهيأ لإبليس أن بفعلته هذه سيقلل من إيمان أيوب، ولم يعلم أن بفعلته هذه نور الطريق أمام أيوب ومهده أمامه وجعله أكثر إيمانا وإذعانا لله تعالى عما كان عليه. ولكن إبليس ما لبث أن بدأ في حياكة شرك جديد لإغواء أيوب، فانصرف ودعا إليه أولياءه وحزبه، فتوجهوا إلى مقر إقامة ولد أيوب في قصر مشيد، بين الفخامة والنعمة، فزلزل قصرهم، حتى تصدع بنيانه ووقعت حيطانه، واندثر فخامته. وعند بلوغ إبليس مراده، توجه لأيوب في هيئة رجل ينعاهم، وقال له: لو رأيت أولادك اليوم قتلى مضرجين، لعلمت أن الله لم يكافئك بعبادته، ولم يرعك حق رعايتك
بكى أيوب معبرا عن مشاعره ولكنه قال مقولته: الله أعطى، والله أخذ، فله معطيا وسالبا، ساخطا وراضيا، نافعا وضارا؛ ثم خر لله ساجدا، وترك إبليس يكاد يتميز من الغيظ. توجه إبليس بثوب غضبه ونفخ في أيوب فإذا به يقع صريعا مريضا، ولكنه ما ازداد إلا إيمانا وما تسلح إلا صبرا وحزما. وما للأيام إلا أن تركض وأيوب لا يزال على شكاته حتى هزل جسمه ونحل بنتيه، لا يستمر على فراشه من الألم ففر عنه الصديق ورغبت عنه أولياؤه من حوله ماعدا الزوجة الوفية. أما إبليس قام بإغواء الزوجة، فذكرها بما كان عليه زوجها في شبابه من صحة وعافية ونعمة، فأخذ الضجر ينساب إلى قلبها مع اليأس
وجد أيوب نفسه وحيدا فريدا، فتوجه إلى ربه داعيا أن يشفيه من مرضه، فاستجاب الله دعاءه وأصاخ لشكواه وأوحى إليه أن يركض برجله حتى ينفجر له نبع الماء فيشرب منه ويغتسل به فتعود إليه صحته. وكانت زوجه قد رق قلبها له ولم تطاوعها نفسها الكريمة أن تتركه فرجعت إليه فرأته شابا مكتمل الشباب بالصحة وعافية. وجازى الله أيوب على صبره فرد عليه ماله ورزقه ولدا أضعاف ولده، إذ كان مثال العبد المؤمن الأواب